أسامة داود يكتب : نار كورونا و لا جنة المستشفيات الخاصة

نيران كورونا أكثر رحمة من جنة المستشفيات الخاصة رحلة مريض للوصول إلى سرير مستشفى أقل مشقة من الصعود إلى القمر! ......................................................................... خارج كل القواعد والقوانين والدساتير وضد الإنسانية والمعايير الأخلاقية والمهنيةوبعيدًا عن أى نوع من أنواع الرقابة أو المتابعة تعمل المستشفيات الخاصة.. أو كما يجب أن توصف الدكاكين الخاصة.. تسير المستشفيات فى مصر.. طبقا لقواعد الابتزاز والانتهازية بل ولا أكون متجاوزًا إن قلت واللصوصية..تتسلل بأصابعها إلى جيوب الفقراء فى بر مصر تنتزع كل ما فيهاوتنتقل بهم من تحت مظلة الستر إلى قائمة المدينين بمبالغ باهظة.. ثمنًا لدخول مرضاهم للعلاج الوهمى بها والتى يتأكد لنا يوميًا أنها تعمل خارج سلطة الدولة وفى ظل - ربما - حماية ودعم من بعض العناصر فى وزارة الصحة . ليست تلك مقدمة لموضوع صحفى أبتغى من خلاله الخروج بقلمى من حالة الإحباط والاكتئاب التى أمر بها نتيجة لكل ما يدور حولنا.. وليست اصطناعًا للشجاعة للتغلب على حالة الخوف من أن ينزلق القلم ناقدًا فى أمر ينتهى بى إلى حيث أخشى خاصة أننى عبرت الـ55 عامًا وقد تخليت عن بعض العناد والجدال والإصرار على سبر أغوار بؤر الظلم والفساد التى أكاد أجزم بأنها قد تتحصن بما لم يتحص به أصحاب المظالم والمقهورين.

جنة المستشفيات الخاصة

[caption id="attachment_26139" align="alignnone" width="370"]جنة المستشفيات جنة المستشفيات الخاصة[/caption] ولكن ما أسجله الآن هو رصد رحلة مريض مصاب بفيروس كورونا داخل سيارة إسعاف بصحبة ابنتيه اللتين هما كل أهله بعدما تخلى الأخ والصديق عن مساندته فى رحلة مرض بدأت بالقلب وقرح الفراش وانتهت بفيروس كورونا اللعين.. خطوط سير الرحلة هى مكالمات هاتفية على مدار أكثر من 24 ساعة بينى وبين ابنة مريض ليس له من الدنيا سوى فتاتين. بدأ الاتصال من أصدقاء يتحدثون عن مريض تخلص منه مستشفى عين شمس التخصصى بعدما اكتشف أنه مصاب بمرض كورونا وعلى أساس أنه يعالج من مرض القلب وقرح الفراش ولكن بعد ثبوت إصابته بالفيروس عليهم أن يذهبوا به إلى أى مستشفى يتوافر به رعاية مركزة لا يشترط فيها التنفس الصناعى..   وعلى ما يبدو أن كورونا كان كلمة السر التى جعلت عين شمس التخصصى تلفظ الرجل خارجها. بقوة وغلظة القرار التى تغلبت على نعمة الرحمة والشفقة، تم وضع الرجل - وسط توسلات وبكاء ابنتيه الذى لم يكن له أى تأثير على قلوب تحجرت وتصلدت بعدما انتزعت منها أبسط معانى الرأفة- فى سيارة إسعاف ليتم نقله إلى أى مكان خارج المستشفى وهناك بدأت رحلة الاتصالات والتواصل مع عشرات المستشفيات منها "قها" الذى أكدت إدارته وجود سرير للمريض لكنه ما لبث أن اعتذر بعد وصول الإسعاف بالمريض إليه بأن السرير قد تم شغله. بالتواصل مع أحد المستشفيات الخاصة بمنطقة النزهة الجديدة جاء الرد بأن برنامج علاج كورونا 300 ألف جنيه خلال عدد من الايام.. وهو رقم يجعل الرغبة فى الموت تتغلب على حب الحياة!، طالما أن العلاج يتطلب ما لا يستطيع تحمله كل الشرفاء على أرض الوطن. كان القائمون على الإسعاف وعبر اتصالاتهم الرسمية والخاصة أيضًا قد توصلوا إلى سرير بمستشفى الإعلام التخصصى بشارع السودان بالمهندسين. سارت الإسعاف تنشر بسارينتها جوًا من الاستعراض الذى تنتبه له الآذان وترتعد منه قلوب نفوس تستتر بحوائط البنايات الشاهقة وسط الشوارع الخالية من المارة بفعل الحظر الكورونى الذى تحول إلى أسلوب حياة.. انسابت الإسعاف عبر الشوارع والميادين والكبارى لتصل إلى مستشفى ثان وثالث حتى وصلت إلى مستشفى الإعلام التخصصى بشارع السودان بالمهندسين،

مصاصو الدماء

طلب المستشفى من الفتاتين ابنتى المريض سداد مبلغ 50 ألف جنيه تحت الحساب لتغطية تكاليف علاج المريض والذى لن يقل فى اليوم الواحد عن 25 ألفًا، على أن يراعى سداد مبالغ إضافية قبل بدء اليوم الثالث. قررت احداهن الاستفسار عن قائمة الأسعار التى حددتها وزارة الصحة والتى تتراوح ما بين 7و10الاف جنيها مقابل كل يوم فى الرعاية لكنها صدمت بجواب الموظف الغارق فى التهكم... روحى إبحثى عنها!. لم يكن أمام فتاتين - يعتصرهما الحزن والذبول، وحالة أب يقاوم الموت متشبثًا رغم حالة الوهن بالحياة - بدٌ من الرضوخ والالتزام بقرار الابتزاز الذى فرضه المستشفى عليهما.. خاصة أن الخيار الآخر هو تركه فريسة لتدهور حالته الصحية بينما كانت الساعة قد تجاوزت الخامسة والنصف صباحًا. تسلم مسئولو حسابات المستشفى مبلغ 45 ألف جنيه هو كل ما تم تدبيره من تحويشة العمر أو الاقتراض.. تفاجأت الفتاتان بحسابات المستشفى تقدم لهما إيصال توريد يحمل رقم 2338فى 4 يونيو 2020 بمبلغ 45 ألف جنيه باسم المريض ع. م. ث والمفاجأة أن الإيصال صادر من مركز سيتى للقلب والحالات الحرجة ــ كورنيوفا ميدكال سيتى كات للخدمات الطبية. وهو اسم جهة أخرى ربما تكون كيانًا وهميًا غير المستشفى أو الدكان الطبي..   استفسرت الفتاة عن الجهة الصادر عنها الإيصال فقال إنها الجهة التى نأتى منها بالمستلزمات الطبية والأدوية. سألته الفتاة لكنه إيصال عادى وليس ضريبيًا وبالتالى قد تكون هذه الجهة لا وجود لها. جاء رد الموظف بغلظة يكتنفها عدم مبالاة بأى محاسبة أو مساءلة لو تطور الأمر راميًا فى وجهها بخيار لا يصدر إلا عمن يأمن العقاب.."هل تريدين إنقاذ والدك.. ولا تحبى تشوفى مستشفى تانى." جاءت إجابته بعنف - دون وضع اعتبار أنه يتعامل مع فتاة تشعر بالانكسار وقد تكفلت بأن تتولى السعى بوالدها لإنقاذه وهو طريح الفراش -وكأنه يثق بخبرة مصاصى الدماء أنه لن يكون أمامها إلا الخضوع والقبول بالأمر الواقع. وان كان هذا حدث مع مريض استطاعت أسرته تدبير تلك المبالغ الضخمة فكيف لآلاف المرضى ممن لا يستطيعون تدبير أى منها؟

نار كورونا و لا جنة المستشفيات الخاصة

كانت الاتصالات بينى وبين ابنة المريض وبينى وبين قيادات فى وزارة الصحة نصحونى بأن ألجأ للرجل الأول والأوحد والأقدر والمنوط به التدخل فى تلك الأمور أو كل أمور وزارة الصحةوهو الدكتور خالد مجاهد المتحدث الرسمى.. لكن ومن خلال تجارب سابقة أعلم أن الوصول لأمين عام الأمم المتحدة أسهل وأيسر من الوصول إلى هذا المتحدث الرسمى الذى يقتصر عملهعلى إصدار بيان يومى بعدد الإصابات والوفيات بكورونا..   فكان رد المسئولين قد أجاب لى عن كل التساؤلات التى كانت تتوارد على ذهنى.. وأهمها لماذا تضخمت وتغولت الدكاكين الخاصة والتى تعمل تحت مسمى مستشفيات خاصة وكأنها تعيش تحت الحماية والحصانة والدعم؟ ولماذا تترك وزارة الصحة تلك المستشفيات تنفرد بأهالى المرضى انفراد الذئب بالشاة بعدما استعصى عليهم الوصول إلى سرير بمستشفى حكومى. وكيف أن تلك المستشفيات قد تحصنت من قرارات كان يجب تفعيلها وقت الكوارث والجوائح ومنها بالطبع كورونا حيث كان يجب انتزاع المستشفيات المخالفة ووضعها تحت تصرف وزارة الصحة باعتبار أن المخالفات فى تلك الأوقات تعد تلاعبًا بالأمن القومى للدولة وقت الخطر؟ لم أتعجب وأنا أرى المستشفيات أو الدكاكين الخاصة تخرج لسانها لآخره للمرضى وذويهم ولكل من يتجرأ ويريد اللجوء لوزارة الصحة التى لم يبق من اسمها إلا قشور تغازل بها منظمة الصحة العالمية أكثر مما تؤديه لصالح الوطن المصاب بكورونا.. ولتترك تلك المستشفيات تفرض من أسعار ما تنوء به كواهل الشعب. ليصبح الحل الأكثر فاعلية ووجاهة.. هو التضرع إلى الله أن يمن علينا بنعمة الصحة أو الموت فورا حتى نكون فى مأمن من الوقوع فريسة السقوط فى مستنقع دكاكين اللاصحة!.